التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بين الإعمار وأثر الدمار


أيهما أفضل؛ إزالة آثار الحرب والنهوض بإعمار بقعة المحرر، أم ترك آثار الحرب؟

إزالة آثار الحرب والانشغال بالمشاريع و"نهضة" المحرر، وإن كانت تحمل معها إيجابيات، إلا أن سلبياتها أكبر بالمنظور القريب والبعيد.
والأسباب يمكن توضيحها أو لفت الانتباه لها كالآتي:
-غياب آثار الدمار والحرب سينعكس سلبًا على مسيرة الثأر في النفوس الملتهبة، ولا يعني ذلك ترك الطرقات سيئة والدمار الذي يعطل سير الحياة، إنما القصد سيتبين فيما يأتي.
-بناء المشاريع الضخمة من مطاعم ومنتزهات وغيرها، يصرف الجهد عما هو أولى، ألا وهو صب الجهد والمال في طريق التحرير، ثم أن الذي يرتاد تلك الأماكن غالبًا ليسوا مقاتلين، أولئك الذين هم أولى بالتفكير بمشاريع يستفيدون منها بشكل مباشر بدل أن يستفيد "التجار" على حساب رباط وثبات المجاهدين.
-النفس تتطبع مع ما يتكرر أمام العين من رؤيا، ورؤية المحرر منشغل بالعمار والمشاريع وضخ الأموال الضخمة، سيصرف الناس إلى أن تعتاد حياتها وتبتعد عن فكرة التضحية والعودة للدمار والخوف على الحياة ومصالها.
-الحدائق العامة والكافيتريات وغيرها من مشاريع الترفيه، غالبًا يرتادها فئة الشباب، وأي شباب؟ شباب "البانكي" والبنطال المخنصر، ولو لم يجدو مثل تلك الأماكن وغيرها يتسكعون فيها، لذهبوا لغيرها يفرغون طاقاتهم، وهنا من الأولى اكتسابهم بما ينفع بمشاريع تهدف بشكل مباشر التجنيد لأجل قضيتهم، على سبيل المثال؛ لماذا لا نرى مشروع قوي للعبة البنادق التي ترمي كرات ملونة؟ فيها الحماس الكثير والفائدة التي تشجع الشباب على حمل السلاح وخوض التحديات الحقيقية، وهنالك مشاريع أخرى تصب في نفس الغاية.
-ثمة مشاريع طيبة ورائعة مثل مشروع كافيه كتاب، لكنه لا يمكن أن يجر الناس للقراءة ولا أن يشجعهم بكل تأكيد، فهو يستقطب فقط رواد المطالعة، فلو ضم هذا المشروع فكرة تعتني بسحب أولئك الذين لا يقرأون لكان المشروع تُوّج بالنجاح الكامل، والأمر لا يتطلب إلا أن نضع في هذا المشروع مالًا على حساب المشاريع الأخرى التي إن وجدت أو لم تكن لكان الحال واحدا، على سبيل المثال: من يدخل عالم المطالعة ويحرص عليها لمدة شهر، يُمنح جائزة شبابية مغرية، وغالبًا مغريات الشباب لا تكون بكلفة عالية.
في بعض الدول الغربية تضع الحكومة كتبا في وسائل النقل!، من يقرأ أي كتاب من صعوده حتى نزوله يعفى من الأجرة! صدق أو لا تصدق.، فالفكرة عندهم ليست أن تقرأ كتابا معينا أو تحفظه، كل ما في الأمر هو أن تعتاد على كسر الحاجز فتعتاد حمل الكتاب وفتح دفتيه، وأي شيء تقرأه لا بد أن ينفع المجتمع.
-من يُقتل له عزيز، وتغيب آثار الجريمة عن ناظريه وتمحى آثارها قبل الثأر، ستتحول الجريمة لمجرد ذكرى، حتى الذكرى مع مرور الوقت ستصبح ذكرى بليدة ولو بقي المجرم طليقًا، لكن مع وجود آثارها وأدواتها فهي كفيلة أن تُبقي النفس متحرقة متقدة للثأر والانتقام سواء أكان المجرم ظاهرًا أو متخفيًا.، وهذا ما يجب أن نفكر فيه ونحن في ثورة مازالت الحرب فيها دائرة والعدو يتربص بدل أن نتربص.
-الناس بحاجة لمن يُسير أمور حياتهم ويؤمن لهم بعض معاشهم وسير أعمالهم، وهو واجب أهل الثورة أن يقدموا نموذجًا مصغرًا يحكي بنفسه أنه البديل المأمول، لكن كل ما سبق حقيقة هو متطلبات أبسط وأقل تكلفة مما نسمعه من أرقام تضخ في المحرر لمشاريع كثير منها أنا وغيري لا نستفيد منها لا من قريب ولا من بعيد سوى فئة قليلة من الناس هي المستفيدة. على سبيل المثال: إعادة بناء الدوارات وترميمها وزخرفتها مع الطرق، بماذا يفيدني ويفيد المجاهدين والثوار؟ هل لو كان دوار بسيط يهدف فقط لحل أزمة سير ولم يحمل زخرفه وبهرجة، كنا سنجد صعوبة في الحياة؟! أليس الأولى بطون الناس بتلك المبالغ المهددة بالقصف بأي لحظة فتذهب هباء؟ أليس الأولى صب كل الاهتمام بمشاريع تهدف لإيجاد حل لحالة الفقر عند المجاهدين بالدرجة الأولى وعلى رأس الأولويات؟ أم تعودنا أن نمتدحهم بأن لولا الله ثم هم لما كنا نبني ونعمل، ثم نحن لا نقدم لهم مشاريع تنتشلهم من هَمّ الفاقة والشح!.
-سيعتقد البعض أنه مجرد كلام "متحامل" على فصائل في اعزاز حيث المولات الضخمة والمشاريع التي يفوح منها البزخ، ويعتقد آخرون أنه مجرد تحامل على سلطة إدلب، والحقيقة ليس المهم الدخول بالنوايا بقدر أهمية التفكير بجدية حيال آراء الناس اليوم بالثورة ومدى استعدادهم لخوض جولة جديدة من المعارك ثم وضع تلك الآراء على الطاولة لبحثها وتحليلها وتشريحها وإيجاد حلول لما سيكون سلبيًا.

-إن فكرة الإعمار فكرة لا تغيب عن أذهاننا، ولم نقم بالثورة لأجل "التخريب" كما اتهمنا النظام المجرم، بل لأجل أن نعمر ما خربه ودمره، لكن العمار يأتي بعد التحرير والتطهير، لا في ظل الحروب والقذائف والصواريخ والتهديد بزوال الريح.
أرجو أن تكون كلمة تستهدف قلوبا تبحث عن الفائدة والاستفادة، فإن وجدت خيرًا بها أخذتها وطورتها، وإن وجدت خطأ أو أخطاء، تجاوزت ودعت لنا بالهداية في ظهر الغيب، فالله يعلم أن الهم والغاية وجهه ثم الدفع باتجاه الصلاح والإصلاح، ولم نحمل غايات أخرى.
أدهم عبد الرحمن الأسيف

2022/11/12

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معضلة السد والتكيف

قبل الحديث عن مفهوم "معضلة السد" لا بد من المرور على مفهوم "التكيف"، وكما هو معروف فللتكيف أنواع كثيرة؛ أهمها: التكيف النفسي وهو ما يتعلق بسلوك الفرد نتاج قدرته على الإدراك. وبحكمة من الله تعالى فإن الكائنات جميعها تمتلك القدرة على التكيف بمحيطها ومع المتغيرات في سبيل البقاء والاستمرار، إلا في حالات نادرة يصعب فيها التكيف، ومن تلك الكائنات الإنسان الذي وهبه الله  ﷻ  قدرة عجيبة على التكيف الجسدي والنفسي والعقلي.  ومن أهم الأمور التي تكيف معها الإنسان هي المتغيرات عامة ومنها المتغيرات الفكرية خاصة؛ حيث يخضع الإنسان للتكيف مع تلك المتغيرات بشكل تدريجي متأثرا بعوامل كثيرة، أهمها الإحساس فإما أن يكون التكيف إيجابيا من خلال الإحساس بما حوله أو أن يكون التكيف سلبيا وذلك بوقوعه في الاضطراب، كذلك التخطيط فإما أن يكون التكيف إيجابيا من خلال التخطيط الجيد ورسم التوقعات والاحتمالات وطرق التصرف فيها أو أن يكون التكيف سلبيا بسبب قصر العقل أو اللامبالاة، وأيضًا الرغبة والقناعة فإما أن يكون التكيف بشكل إيجابي من خلال الإرادة المتقدة المتجددة أو أن يكون التكيف سلبيا بسبب فتور الهمة

النصيرية من أقلية مهمشة إلى سلطة الاستبداد المطلق

من أقلية على هامش التاريخ والجغرافيا إلى قوة وحيدة في سوريا الحديثة! في عام 1921ميلادي أي بعد احتلال فرنسا لسوريا بعام واحد، افتتحت باب الانتساب ضمن ما أسمته "الفيلق السوري" وعُرف أيضًا باسم "قوات الشرق الخاصة". كان التركيز الفرنسي على جذب الأقليات المذهبية والعرقية تحديدًا "النصيرية" كما تشير الكثير من الدراسات والكتب المتعلقة بتأريخ سوريا الحديثة. وجد العلويين فرصة لهم في التطوع، ففرنسا قدمت لهم ترغيبات كثيرة منها منحهم فرصة لتلقي تعليم جيد، بالإضافة للرواتب المغرية للطائفة الفقيرة المشتتة، كما أن الخدمة العسكرية منحتهم شيء من السلطة تحت الحماية الفرنسية، كما صار بإمكانهم التوغل في المدن للتعايش مع المدن الحضرية بسبب أماكن خدمتهم بعدما كانوا في الجبال والأرياف المهمشة، وكلما زادت المغريات تضاعف تدفق النصيرية على وجه الخصوص للالتحاق بالفيلق. أما أهل السُنَّة وهم الغالبية الساحقة في البلد، فكان موقف الغالبية منهم بالنسبة للخدمة العسكرية تحت الاحتلال الفرنسي سلبي جدًا، إذ كانوا يعتبرونه عار وذل وخيانة، وبالتالي فكان الواقع الطبيعي أن يتنامى نفوذ النصيرية تح