التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التعرض والمصادمة


إن مسألة المعارك على اعتبارها "ند لند" هي نظرة خاطئة وكارثية سيدفع ثمنها المنتصر وليس المنهزم وحده، لما تسببه من استنزاف للطرفين، فالمنتصر ذاته في هذا الأسلوب سيتعرض للاستنزاف والمشاق كالمنهزم، سوى أن المنتصر نشوة النصر تنسيه كل شيء على اعتبار ظفره! وهذه نقطة سلبية يتحصل عليها المنتصر غالبًا، وقليل هم من لا يقع فريسة بهرج الانتصار ويدرك الحاجة لتضميد الجراح قبل الحديث المبالغ فيه عن النصر.
هذا ليس تقليل من شأن النصر ولا دغدغة تحمل تعاطف مع المنهزم، بل هي إشارة لمنطقة أخرى من الفكر في ساحة الحرب بأسلوب المجابهة والتعرض.
لذلك وبدون أدنى شك، لا يوجد جيش تقوم عليه قيادة واعية إلا وتراه مشغول بطرق تحقيق النصر أكثر من تحقيق النصر ذاته، وتحديدًا تلك الجيوش التي تمارس الحروب باستمرار، وإذا أردنا أن نضيق التحديد، نقول تحديدًا بعينه الجيش الذي انهزم في معركة ما.، ذلك أن المنهزم هو أكثر انفتاح للتعلم من الأخطاء نتيجة مرارة الهزيمة.
ولذلك البحث عن طريق النصر لا يقل أهمية عن النصر ذاته، وهو غالبًا ما يكون في إيجاد سبيل وطريق يحقق النصر من خلال ضربة واحدة وهذا طبعًا أمر شاذ وصعب، لكن هو مجاز عن معنى اختصار الحرب وتجنب الغلو في تكاليفها.
وبهذا تكون الثورة أولى من الحكومة (أي حكومة)  في البحث عن الطرق المختصرة، وهذا لا يتعارض مع مبدأ الاستنزاف للعدو مطلقًا (يجدر التنبه).
نسمع (وهو واقع بكل حال) أن أسباب الهزائم، تفوق العدو وتحالفه مع آخرين، بمعنى لا منطق في ميزان التكافؤ البشري والمادي، وهذا من المفترض بالتالي أن يدفعنا بقوة إلى التفكير الجاد بتجنب القتال مجابهة بأسلوب "الند للند" وإلا فإننا عندها نناقض ذاتنا ونقيم الحجة على أنفسنا.
في الثورة السورية كوادر عريقة ونخب رفيعة اكتسبت مهارات عالية ووعي جيد يخولها إطلاق العنان للتمرد الثوري في الفكر العسكري، وفكرة التمرد بحد ذاتها ومجردة، تسبب إرباك لعدو يكره القتال على أكثر من جبهة ويعجز عن اختراف عشرات المجموعات وتحبطه فكرة المناورة الاستراتيجية لا التكتيكية، لأنه فعليًا لا يمتلك القدرة على الانتشار في مساحات شاسعة في آن واحد فضلًا عن قدرته تأمين العمق على اعتباره خط قتال مُحتمل.
لا تحبطني فكرة الشباب الساخر كوني أتفهم إمكانياتهم العقلية وعدم خوضهم التجارب العملية، لكن أهتم بلفت أنظار أولئك الذين عاشوا تجارب تعزز الفكرة التي ندور حولها، وربما يكفي قول: دخول حلب بقي لنا مثال حي، يحتاج فقط تطوير.
أدهم عبد الرحمن الأسيف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بين الإعمار وأثر الدمار

أيهما أفضل؛ إزالة آثار الحرب والنهوض بإعمار بقعة المحرر، أم ترك آثار الحرب؟ إزالة آثار الحرب والانشغال بالمشاريع و"نهضة" المحرر، وإن كانت تحمل معها إيجابيات، إلا أن سلبياتها أكبر بالمنظور القريب والبعيد. والأسباب يمكن توضيحها أو لفت الانتباه لها كالآتي: -غياب آثار الدمار والحرب سينعكس سلبًا على مسيرة الثأر في النفوس الملتهبة، ولا يعني ذلك ترك الطرقات سيئة والدمار الذي يعطل سير الحياة، إنما القصد سيتبين فيما يأتي. -بناء المشاريع الضخمة من مطاعم ومنتزهات وغيرها، يصرف الجهد عما هو أولى، ألا وهو صب الجهد والمال في طريق التحرير، ثم أن الذي يرتاد تلك الأماكن غالبًا ليسوا مقاتلين، أولئك الذين هم أولى بالتفكير بمشاريع يستفيدون منها بشكل مباشر بدل أن يستفيد "التجار" على حساب رباط وثبات المجاهدين. -النفس تتطبع مع ما يتكرر أمام العين من رؤيا، ورؤية المحرر منشغل بالعمار والمشاريع وضخ الأموال الضخمة، سيصرف الناس إلى أن تعتاد حياتها وتبتعد عن فكرة التضحية والعودة للدمار والخوف على الحياة ومصالها. -الحدائق العامة والكافيتريات وغيرها من مشاريع الترفيه، غالبًا يرتادها فئة الشباب، وأ

معضلة السد والتكيف

قبل الحديث عن مفهوم "معضلة السد" لا بد من المرور على مفهوم "التكيف"، وكما هو معروف فللتكيف أنواع كثيرة؛ أهمها: التكيف النفسي وهو ما يتعلق بسلوك الفرد نتاج قدرته على الإدراك. وبحكمة من الله تعالى فإن الكائنات جميعها تمتلك القدرة على التكيف بمحيطها ومع المتغيرات في سبيل البقاء والاستمرار، إلا في حالات نادرة يصعب فيها التكيف، ومن تلك الكائنات الإنسان الذي وهبه الله  ﷻ  قدرة عجيبة على التكيف الجسدي والنفسي والعقلي.  ومن أهم الأمور التي تكيف معها الإنسان هي المتغيرات عامة ومنها المتغيرات الفكرية خاصة؛ حيث يخضع الإنسان للتكيف مع تلك المتغيرات بشكل تدريجي متأثرا بعوامل كثيرة، أهمها الإحساس فإما أن يكون التكيف إيجابيا من خلال الإحساس بما حوله أو أن يكون التكيف سلبيا وذلك بوقوعه في الاضطراب، كذلك التخطيط فإما أن يكون التكيف إيجابيا من خلال التخطيط الجيد ورسم التوقعات والاحتمالات وطرق التصرف فيها أو أن يكون التكيف سلبيا بسبب قصر العقل أو اللامبالاة، وأيضًا الرغبة والقناعة فإما أن يكون التكيف بشكل إيجابي من خلال الإرادة المتقدة المتجددة أو أن يكون التكيف سلبيا بسبب فتور الهمة

النصيرية من أقلية مهمشة إلى سلطة الاستبداد المطلق

من أقلية على هامش التاريخ والجغرافيا إلى قوة وحيدة في سوريا الحديثة! في عام 1921ميلادي أي بعد احتلال فرنسا لسوريا بعام واحد، افتتحت باب الانتساب ضمن ما أسمته "الفيلق السوري" وعُرف أيضًا باسم "قوات الشرق الخاصة". كان التركيز الفرنسي على جذب الأقليات المذهبية والعرقية تحديدًا "النصيرية" كما تشير الكثير من الدراسات والكتب المتعلقة بتأريخ سوريا الحديثة. وجد العلويين فرصة لهم في التطوع، ففرنسا قدمت لهم ترغيبات كثيرة منها منحهم فرصة لتلقي تعليم جيد، بالإضافة للرواتب المغرية للطائفة الفقيرة المشتتة، كما أن الخدمة العسكرية منحتهم شيء من السلطة تحت الحماية الفرنسية، كما صار بإمكانهم التوغل في المدن للتعايش مع المدن الحضرية بسبب أماكن خدمتهم بعدما كانوا في الجبال والأرياف المهمشة، وكلما زادت المغريات تضاعف تدفق النصيرية على وجه الخصوص للالتحاق بالفيلق. أما أهل السُنَّة وهم الغالبية الساحقة في البلد، فكان موقف الغالبية منهم بالنسبة للخدمة العسكرية تحت الاحتلال الفرنسي سلبي جدًا، إذ كانوا يعتبرونه عار وذل وخيانة، وبالتالي فكان الواقع الطبيعي أن يتنامى نفوذ النصيرية تح