إن مسألة المعارك على اعتبارها "ند لند" هي نظرة خاطئة وكارثية سيدفع ثمنها المنتصر وليس المنهزم وحده، لما تسببه من استنزاف للطرفين، فالمنتصر ذاته في هذا الأسلوب سيتعرض للاستنزاف والمشاق كالمنهزم، سوى أن المنتصر نشوة النصر تنسيه كل شيء على اعتبار ظفره! وهذه نقطة سلبية يتحصل عليها المنتصر غالبًا، وقليل هم من لا يقع فريسة بهرج الانتصار ويدرك الحاجة لتضميد الجراح قبل الحديث المبالغ فيه عن النصر.
هذا ليس تقليل من شأن النصر ولا دغدغة تحمل تعاطف مع المنهزم، بل هي إشارة لمنطقة أخرى من الفكر في ساحة الحرب بأسلوب المجابهة والتعرض.
لذلك وبدون أدنى شك، لا يوجد جيش تقوم عليه قيادة واعية إلا وتراه مشغول بطرق تحقيق النصر أكثر من تحقيق النصر ذاته، وتحديدًا تلك الجيوش التي تمارس الحروب باستمرار، وإذا أردنا أن نضيق التحديد، نقول تحديدًا بعينه الجيش الذي انهزم في معركة ما.، ذلك أن المنهزم هو أكثر انفتاح للتعلم من الأخطاء نتيجة مرارة الهزيمة.
ولذلك البحث عن طريق النصر لا يقل أهمية عن النصر ذاته، وهو غالبًا ما يكون في إيجاد سبيل وطريق يحقق النصر من خلال ضربة واحدة وهذا طبعًا أمر شاذ وصعب، لكن هو مجاز عن معنى اختصار الحرب وتجنب الغلو في تكاليفها.
وبهذا تكون الثورة أولى من الحكومة (أي حكومة) في البحث عن الطرق المختصرة، وهذا لا يتعارض مع مبدأ الاستنزاف للعدو مطلقًا (يجدر التنبه).
نسمع (وهو واقع بكل حال) أن أسباب الهزائم، تفوق العدو وتحالفه مع آخرين، بمعنى لا منطق في ميزان التكافؤ البشري والمادي، وهذا من المفترض بالتالي أن يدفعنا بقوة إلى التفكير الجاد بتجنب القتال مجابهة بأسلوب "الند للند" وإلا فإننا عندها نناقض ذاتنا ونقيم الحجة على أنفسنا.
في الثورة السورية كوادر عريقة ونخب رفيعة اكتسبت مهارات عالية ووعي جيد يخولها إطلاق العنان للتمرد الثوري في الفكر العسكري، وفكرة التمرد بحد ذاتها ومجردة، تسبب إرباك لعدو يكره القتال على أكثر من جبهة ويعجز عن اختراف عشرات المجموعات وتحبطه فكرة المناورة الاستراتيجية لا التكتيكية، لأنه فعليًا لا يمتلك القدرة على الانتشار في مساحات شاسعة في آن واحد فضلًا عن قدرته تأمين العمق على اعتباره خط قتال مُحتمل.
لا تحبطني فكرة الشباب الساخر كوني أتفهم إمكانياتهم العقلية وعدم خوضهم التجارب العملية، لكن أهتم بلفت أنظار أولئك الذين عاشوا تجارب تعزز الفكرة التي ندور حولها، وربما يكفي قول: دخول حلب بقي لنا مثال حي، يحتاج فقط تطوير.
أدهم عبد الرحمن الأسيف
تعليقات