التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لا أنتمي لضيق الحزب .. أنا حُر لانتمائي لأمتي


(صورة تغريدة لأحد الشباب.، لا يهم الاسم إنما الفكرة هي محل التشريح، فقد يكون صاحب الفكرة أخطأ التعبير، أو أخذته هفوة)

التعليق:
سنحاول التدقيق بشكل مختصر وسريع على المعاني والمفاهيم التالية: حزب - فصيل - جماعة - طوائف - مستقل - حيادي - عار - مفخرة - سلوك - تربية.

لقد نجحت إلى حد بعيد النظريات التجريبية الغربية الخبيثة بجعل بعض السموم تندس في أفراد الأمة على هيئة "أفكار" شاذة عن الشرع والمنطق بل تتضارب مع المفهوم الإسلامي تمامًا.

في زمن انتقاض البديهيات، صار العبء أكبر في إعادة تصديرها على حقيقتها حتى لا تُفتتن الأجيال وتأخذ السم جرعات.
"الأحزاب والفصائل" حالة مرضية في منطق الأمة الواحدة، وبكل حال هذا المرض على الدوام يكون الشغل الشاغل لدى القيادات المتفرقة كونهم يعرفونه مرضًا يستوجب علاج سريع، وعدم السعي للحل هو "عار" يلحق المتخلف عن المساعي ويرضى أن يكون ممن (تفرقوا، فاختلفوا، فآذنهم الله بذهاب ريحهم).
إذ أن الحالة الطبيعية السليمة، هي اعتصام طلائع الأمة (أي أمة) في كيان الجماعة، والجماعة بمفهومها "هنا" تعني الاجتماع العام ولو على المستوى السياسي أو العسكري، أما التكتلات الحزبية فهي طوائف لا أكثر.
هذه الطوائف أما تصل لنتيجة الاتحاد (الواجب)، أو ترغب إلى: كل حزبٍ بما لديهم فرحون.


لقد عرفنا عن نبينا ﷺ صفات المجاهد ومزاياه وخصاله، وعن مراتب الشهداء وأحوالهم، وكل ذلك لم يكن فيه شرط "الفصائلية والحزبية" بل الشرع حذر من هذه الحالة المرضية في مواضع عدة (كل حزب بما لديهم فرحون) وحث الطوائف على الاجتماع ليحققوا معنى #الجماعة من خلال الاعتصام.

ثم إنه ليس الغريب أن يكون المفهوم المشوه صادر عن أفراد لم يدركوا حيثيات المسألة، إنما الخطورة أن تتسرب مثل هذه الأفكار لقلب الكيانات المجاهدة، مما يجعلها حرفيًا (كل حزب بما لديهم فرحون) وبدون أن يشعروا بل ربما تأولوا!، وهذا خطر يستوجب الوقوف عنده مطولًا من كل قائد وفرد مجاهدًا كان أو غير ذلك، لأن المسألة غاية في الخطورة بسبب تباعاتها الملزمة.

حقيقة أول ما قرأت الكلام (تغريدة الشاب)، تساءلت: ماذا عن المشايخ الغير منتسبين "للأحزاب"؟ مثلًا شيخنا المحدث المهدي وغيره المئات من المباركين في الساحة هل كلهم في منقصة؟، بل الناقص في عقله من تفوه دون أن يدرك معنى قوله، ثم ماذا عن المجاهدين الذين أصلًا هم من قام بالثورة المسلحة والآن معظمهم بسلاحه يترقب لكل هيعة فيطير إليها؟ وأحسبهم ممن يطمحون تحقيق وتطبيق حديث النبي ﷺ عن أخيار الشهداء.

كنا فيما مضى حينما يوجه أي شخص لنا السؤال التالي: مع من أنت؟ (يقصد أي فصيل).
والله كان الجواب على الدوام: مع المجاهدين والثوار.
بل ذات يوم سألت الشيخ أبو حمزة شرقية تقبله الله: سمعت أنتم صرتم مع الفصيل كذا، فهل هو صحيح؟. كان جوابه الرفض بالتأكيد أو النفي، ومع الأصرار مني، قال: بماذا يلزم الجواب؟ إن كنت مع كذا او كنت مع غيره أو لم أكن مع أحد، هل يمنعني من واجبي!، كلها كيانات زائلة كونها وسيلة يجب أن تنتهي باجتماع.
كلامه يوافق كلام حسان عبود تقبله الله في أحد اللقاءات المرئية.
الشواهد لا تساوي شيء أكثر من كونها تأكيدًا على المفهوم الشرعي الصحيح، فمن كان في حزب أو فصيل، فهو في حالة مؤقته لا بُد أن تنتهي وبسرعة كي لا تنحرف البندقية كما حصل عندنا في السابق نتاج عدم التمييز بين معنى الطوائف والجماعة وتمسك كل حزب بما لديه.

إن أحد أهم مصائب الأمة أن كل حزبٍ بما لديهم فرحون كما قال تعالى، وبعض أفراد هذه الأحزاب تُقزم الأمة لتحصرها بفصيلها أو تضخم فصيلها لتجعله هو الأمة. والصحيح أن الانتماء للطوائف من عدمه لا يساوي فلسًا في مشروع الثورة وواجب الجهاد، لأن المقياس هو الصدق والاتزان بالعمل، وليس "صك" الانتماء يرفع ويخفض.

لقد جاهدنا في ثورتنا عامها الأول ونحن لا نعرف للتحزبات طريق، ولما بدأت المسميات لم نكن نرى فارق بيننا وبين غيرنا كوننا لم نتعرض لعصفات اللوثة الفكرية وتنطعات الأزمات الأنفسية التي فَرَّخت لنا الغلاة ثم نقيضهم كردة فعل.
والأهم من كل ذلك، أعرف وغيري أشخاصًا كثر في البدايات وحتى يومنا، هم غير منتسبين لأحد لكنهم على الدوام يخرجون للرباط تطوعًا وبعضهم يشارك في المعارك كجندي ضمن أي مجموعة تتاح له، فهل لحق هؤلاء "عار" صديقنا؟ أم هم ممن أثنا عليهم نبينا ﷺ!.
 ثم من الجهل المركب عدم معرفة الفرق بين الجهاد وبين القتال، ولو أن الحالتين لا تستلزمان "انضمام لحزب" على عكس حالة الجماعة لكن جدلًا نفترض، هل من يجاهد يلزمه حزب؟ وهل يتساوى الواجب بين حالة اجتماع الطوائف وبين تفرقها؟ بكل تأكيد لا، وكذلك القتال ذات الأمر.

إن المسميات وسيلة يجب أن لا تحمل أي معنى غير كونها كذلك، فهي خطوة تجاه بناء الجماعة، والجماعة تحتاج إعادة شرح ليفهما من حصرها "بحزبه أو فصيله" حتى يكون عامل فعال في الدفع نحو الاعتصام الذي فيه الشرف والعزة، ويشعر بالضعف والخوف وسط أحزاب وفصائل شتى.

أما "المستقل" و "الحيادي" فهذه مختلفة تمامًا عن مسألة "عدم الانتماء" وهذه يدركه أدنى واعي قارئ فاهم.
فالمستقل بذاته أمر فيه أخذ ورد بحسب معنى الاستقلالية وموقعها وعن أي قضية تُعبر وبالأصل لا ترتبط بموضوع الانتماء الحزبي من عدمه!، كما أن الحيادية أمر آخر مختلف عن كل ما سبق، فالحياد تختلف النظرة إليه من حالة لأخرى، فالحياد بين حقين أمر مفهوم مقبول، بينما الحياد بين ظاهر حق وظاهر باطل فهنا يكون الحياد نفاق.

على العموم، المرجو من الأحزاب والفصائل، التركيز المكثف في تدريس الأفراد لمعنى الأمة وموقع الفصائل والأحزاب ومعنى الجماعة والطوائف، وتنوير الطريق بشكل لا يقبل الالتباس، لأن عدم الفهم لدى الأفراد سيكون أول انعكاساته السلبية على الحزب أو الفصيل نفسه.
ولعل مثال بسيط يوضح الصورة: عندما يخطئ ولدي بحق الجيران، ثم أتجاهل ردعه أمامهم، سيضطر الجيران لتأديبه وتوبيخي على سوء التربية، عندها أخسر شخصية ولدي وكرامتي بين الناس، بل أخسر جيراني ذاتهم.
وعندما أزجر ولدي أمام من أخطأ بحقه باتزان، أكون علمت ولدي الوقوف عند الحق وعدم التحرج منه، وحصنت كرامتي وعززت حق الجوار.
نفس الأمر ينطبق على الأحزاب والفصائل، تربيتهم من قاعدتهم فيها خير وحالة مشابهة تمامًا لما سبق، أما إطلاق العنان لأزماتهم ومحدودية أفكارهم، مدعاة للبغضاء والتساوي بين الطيب والخبيث في وحل المناكفات، وأول ما يجب تعليمهم هو أن "الحزب" في الدين منبوذ، والفصيل حالة مرضية في مشروع الأمة.
وهذا ما كان بديهي قبل سنوات قليلة، لكن في زمن متسارع، بات النقيض هو المسيطر على عقول البعض، ولذلك منذ زمن وحتى اليوم، لو سألت القادة أنفسهم عن الحالة، فلن يخرجوا من إطار القول أنهم يسعون للتوحد في كيان اسمه #الجماعة لأنه الواجب والمنطق، وهذا ما نأمله: الاعتصام على مرضاة الله.
أدهم عبد الرحمن الأسيف

تعليقات

‏قال بقايا حلم
جزاك الله خيرا
الجماعات والفصائل لدينا تبني في عقل افرادها انهم يبايعون بيعة عامة لا يستطيعون الحل منها
ومن يستمع لدروس ابو مصعب السوري او يقرأ كتاباته يستفيد جدا في موضوع الجماعات والفصائل وكيفية ملاءمة حركة المجاهد لواقعه الذي يجد نفسه مجبرا على التعامل معه
‏قال Unknown
حياك الله
عندما يكون في المحرر عصبة تمسك بزمام الامور وتسد الثغور وتحكم بشرع الله عندها تكون هذه العصبة هي الامة وعليه يكون الفرض تقويتها والانضمام والاعتصام بها.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بين الإعمار وأثر الدمار

أيهما أفضل؛ إزالة آثار الحرب والنهوض بإعمار بقعة المحرر، أم ترك آثار الحرب؟ إزالة آثار الحرب والانشغال بالمشاريع و"نهضة" المحرر، وإن كانت تحمل معها إيجابيات، إلا أن سلبياتها أكبر بالمنظور القريب والبعيد. والأسباب يمكن توضيحها أو لفت الانتباه لها كالآتي: -غياب آثار الدمار والحرب سينعكس سلبًا على مسيرة الثأر في النفوس الملتهبة، ولا يعني ذلك ترك الطرقات سيئة والدمار الذي يعطل سير الحياة، إنما القصد سيتبين فيما يأتي. -بناء المشاريع الضخمة من مطاعم ومنتزهات وغيرها، يصرف الجهد عما هو أولى، ألا وهو صب الجهد والمال في طريق التحرير، ثم أن الذي يرتاد تلك الأماكن غالبًا ليسوا مقاتلين، أولئك الذين هم أولى بالتفكير بمشاريع يستفيدون منها بشكل مباشر بدل أن يستفيد "التجار" على حساب رباط وثبات المجاهدين. -النفس تتطبع مع ما يتكرر أمام العين من رؤيا، ورؤية المحرر منشغل بالعمار والمشاريع وضخ الأموال الضخمة، سيصرف الناس إلى أن تعتاد حياتها وتبتعد عن فكرة التضحية والعودة للدمار والخوف على الحياة ومصالها. -الحدائق العامة والكافيتريات وغيرها من مشاريع الترفيه، غالبًا يرتادها فئة الشباب، وأ

معضلة السد والتكيف

قبل الحديث عن مفهوم "معضلة السد" لا بد من المرور على مفهوم "التكيف"، وكما هو معروف فللتكيف أنواع كثيرة؛ أهمها: التكيف النفسي وهو ما يتعلق بسلوك الفرد نتاج قدرته على الإدراك. وبحكمة من الله تعالى فإن الكائنات جميعها تمتلك القدرة على التكيف بمحيطها ومع المتغيرات في سبيل البقاء والاستمرار، إلا في حالات نادرة يصعب فيها التكيف، ومن تلك الكائنات الإنسان الذي وهبه الله  ﷻ  قدرة عجيبة على التكيف الجسدي والنفسي والعقلي.  ومن أهم الأمور التي تكيف معها الإنسان هي المتغيرات عامة ومنها المتغيرات الفكرية خاصة؛ حيث يخضع الإنسان للتكيف مع تلك المتغيرات بشكل تدريجي متأثرا بعوامل كثيرة، أهمها الإحساس فإما أن يكون التكيف إيجابيا من خلال الإحساس بما حوله أو أن يكون التكيف سلبيا وذلك بوقوعه في الاضطراب، كذلك التخطيط فإما أن يكون التكيف إيجابيا من خلال التخطيط الجيد ورسم التوقعات والاحتمالات وطرق التصرف فيها أو أن يكون التكيف سلبيا بسبب قصر العقل أو اللامبالاة، وأيضًا الرغبة والقناعة فإما أن يكون التكيف بشكل إيجابي من خلال الإرادة المتقدة المتجددة أو أن يكون التكيف سلبيا بسبب فتور الهمة

النصيرية من أقلية مهمشة إلى سلطة الاستبداد المطلق

من أقلية على هامش التاريخ والجغرافيا إلى قوة وحيدة في سوريا الحديثة! في عام 1921ميلادي أي بعد احتلال فرنسا لسوريا بعام واحد، افتتحت باب الانتساب ضمن ما أسمته "الفيلق السوري" وعُرف أيضًا باسم "قوات الشرق الخاصة". كان التركيز الفرنسي على جذب الأقليات المذهبية والعرقية تحديدًا "النصيرية" كما تشير الكثير من الدراسات والكتب المتعلقة بتأريخ سوريا الحديثة. وجد العلويين فرصة لهم في التطوع، ففرنسا قدمت لهم ترغيبات كثيرة منها منحهم فرصة لتلقي تعليم جيد، بالإضافة للرواتب المغرية للطائفة الفقيرة المشتتة، كما أن الخدمة العسكرية منحتهم شيء من السلطة تحت الحماية الفرنسية، كما صار بإمكانهم التوغل في المدن للتعايش مع المدن الحضرية بسبب أماكن خدمتهم بعدما كانوا في الجبال والأرياف المهمشة، وكلما زادت المغريات تضاعف تدفق النصيرية على وجه الخصوص للالتحاق بالفيلق. أما أهل السُنَّة وهم الغالبية الساحقة في البلد، فكان موقف الغالبية منهم بالنسبة للخدمة العسكرية تحت الاحتلال الفرنسي سلبي جدًا، إذ كانوا يعتبرونه عار وذل وخيانة، وبالتالي فكان الواقع الطبيعي أن يتنامى نفوذ النصيرية تح