التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التكلف بما لا يحتمل



تغريدة في تويتر


بدايةً وكما اعتدناه منهجا، فإن اسم الكاتب لا يهم كوننا سنبحث في المضمون لا الشخوص.
مضمون الكلام حول: هل يجوز تفسير القرآن بالرأي؟. هل ثمة رابط بين التنظير والآية الكريمة؟. هل أحد من العلماء عبر التاريخ ربط الآية بهذا المفهوم؟. هل الأمر مجرد خطأ أم له تبعات خطيرة؟.

بسم الله..
كتب أحدهم يريد أن يثبت فكرة تدور في رأسه، ومن المعلوم أن الإنسان إذا شغله شيء وكان متوترًا، فإن العبارات أو الفهم يخونه، وهذا أمر قد يتفهمه الناس، لكن أن تطال المسألة لوي نصوص قرآنية وتحميلها ما لا تحتمل، والتكلف فيما لا يسع فيه التكلف، فهنا الأمر بلغ خطورة كبيرة وينذر بتبعات لا يتمناها مسلم لأخوه المسلم.

يريد الكاتب أن يقدح بالتنظير أو المنظرين وهذا حق شخصي له يناقش به، لكن على أن يكون الكاتب فاهمًا لمعنى التنظير وتعريفه لغةً واصطلاحا، ثم يكون على أقل تقدير مراجعًا لتفاسير آيات الله، عندها من الممكن أن يتقبل القارئ من الكاتب بعدما يرى منطقية وواقعية وعلمية وانصاف في المسألة.

دعونا نرى بدعة الكاتب الجديدة، وهنا نقول بدعة لا مجرد خطأ، وهذه البدعة تستوجب من الكاتب التراجع والاعتذار نصرة لدين الله وغيظًا للشيطان، هذه البدعة تتلخص في تفسير أو تأويل الآية الكريمة بما لم يقل بها أحد من قبل مطلقًا ولا مجرد التلميح، والسبب بسيط سنوضحه بعد قليل.
ولو قال الكاتب: لم أقصد تأويلها، ولكن الاستشهاد بمعناها. قلنا له: وكيف تستمد المعنى بدون العلم بتفسيرها؟، ثم كيف تركب القصد على الآية وأنت فيما يبدو جليًا غير واعي لمعنى قصدك؟ أي معنى التنظير.

ونقدم هنا ملخص للقارئ حول تفسير الآية الكريمة.
يدور تفسير الآية عند أشهر المفسرين مثل القرطبي والطبري وابن كثير والبغوي والسعدي وغيرهم، حول سياسة التعجيز عند بني إسرائيل، وملخص تفاسير العلماء تدور حول: تفرق رؤوس بني إسرائيل وعدم اجتماعهم، فطلبوا من نبي الله أن يرسل ملكًا يجمعهم حتى يقاتلوا، فلما أُرسل الملك "طالوت" راحوا يبحثون عن ذرائع جديدة لعدم خوض القتال، مثل أن عدوهم أكثر قوة ونحو ذلك مما يعبر عن جبنهم وخوارهم.
إذًا معنى الآية متلخص في اختلاق الذرائع الكاذبة كما يتضح في نص الآية وفي تفسير العلماء لها.

دعونا الآن نتعرف على تعريف التنظَّير لنرى هل من أدنى رابط بين الكلمة والآية؟!.
التنظير: مصدر نظَّرَ.، ويقال: تَنْظِيرُ شَهَادَتَيْنِ: الْمُقَابَلةُ بَيْنَهُمَا.، ويقال: تَنْظِيرُ أفْكَارٍ: التَّأمُّلُ فِيهَا مَلِيّاً لِوَضْعِهَا نَظَرِيَّةً.
أما التنظير في الشرع، فقد وردت فتاوي كثيرة متعلقة به، على سبيل المثال ما جاء في موقع "إسلام ويب" وقد اخترته لأنه مختصر وواضح، جاء فيه: فإن التنظير هو وضع النظريات أي أنه العمل على وضع فكرة أو نظرية أو خطة، وإعدادها لأن تكون قابلة للتطبيق، فهو إذا بمعنى التخطيط.، وأما التطبيق فهو عبارة عن القيام بالفعل النظري وتطبيقه فعلاً حتى يكون واقعاً محسوساً بعد العلم به نظرياً، والترتيب الصحيح هو أن يكون التنظير قبل التطبيق، فإن العلم يسبق العمل كما قال الإمام البخاري: باب العلم قبل القول والعمل، قال الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فبدأ بالعلم.

هل شعرت أخي القارئ بأي رابط بين التنظير والآية الكريمة؟، جزمًا لا رابط ولو تكلف المرء كل التكلف لما وسعه الربط.
إننا نتفهم تمامًا حاجة بعض الناس لإثبات أفكارهم وهذا حق لهم، لكن الحق محفوظ بالعلم والفهم ومتى خرج عن سياقه صار أزمة ومرض لا يجدر بمسلم مخلصًا لله أن يقع فيه، وتحديدًا بما يخص آياته الكريمة من لوي أعناق النصوص وتأويلها بما لم يقله أحد من العلماء الأجلاء.
وهنا نقدم نصيحة للكاتب: يمكنك أن تثبت فكرتك بمصطلحات مثل: الترف الفكري. البطر النظري. العبث المنهجي. ونحو ذلك من المسميات التي تؤكد للقارئ أنك فاهم لما تقول وواعي لمقصدك، كما أن رسالتك تكون أسرع في فهما العقول.
أرجو من الله أني دافعت عن آياته ونصحت لأخواني، فنفعت وانتفعت.

وأخيرًا، هل يجوز تفسير القرآن بالرأي؟
هنا ننقل مختصر فتوى الشيخ صالح المنجد فرج الله عنه، عبر موقعه الإسلام سؤال وجواب.
(المفسر عند تفسيره لآية من القرآن يسلك أحد مسلكين: المسلك الأول: ينظر هل في القرآن ، أو في السنة النبوية ، أو في آثار السلف الصالح ما يفسر هذه الآية ؟ فإذا وجد في هذه المصادر تفسيرا لها ، اتبعه واكتفى به ، وهذا ما يسمى بـ " التفسير بالمأثور " وهو أنواع..
المسلك الثاني : أن يجتهد المفسّر - الذي له العلم بالتفسير - في استعمال فهمه لتفسير آية من القرآن ، ويكون في اجتهاده ملتزما السبيل الصحيح ومتقيدا بالضوابط والقواعد التفسيرية ؛ وهذا ما يسمى بـ " التفسير بالرأي أو بالاجتهاد ".
أدهم عبد الرحمن الأسيف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بين الإعمار وأثر الدمار

أيهما أفضل؛ إزالة آثار الحرب والنهوض بإعمار بقعة المحرر، أم ترك آثار الحرب؟ إزالة آثار الحرب والانشغال بالمشاريع و"نهضة" المحرر، وإن كانت تحمل معها إيجابيات، إلا أن سلبياتها أكبر بالمنظور القريب والبعيد. والأسباب يمكن توضيحها أو لفت الانتباه لها كالآتي: -غياب آثار الدمار والحرب سينعكس سلبًا على مسيرة الثأر في النفوس الملتهبة، ولا يعني ذلك ترك الطرقات سيئة والدمار الذي يعطل سير الحياة، إنما القصد سيتبين فيما يأتي. -بناء المشاريع الضخمة من مطاعم ومنتزهات وغيرها، يصرف الجهد عما هو أولى، ألا وهو صب الجهد والمال في طريق التحرير، ثم أن الذي يرتاد تلك الأماكن غالبًا ليسوا مقاتلين، أولئك الذين هم أولى بالتفكير بمشاريع يستفيدون منها بشكل مباشر بدل أن يستفيد "التجار" على حساب رباط وثبات المجاهدين. -النفس تتطبع مع ما يتكرر أمام العين من رؤيا، ورؤية المحرر منشغل بالعمار والمشاريع وضخ الأموال الضخمة، سيصرف الناس إلى أن تعتاد حياتها وتبتعد عن فكرة التضحية والعودة للدمار والخوف على الحياة ومصالها. -الحدائق العامة والكافيتريات وغيرها من مشاريع الترفيه، غالبًا يرتادها فئة الشباب، وأ

معضلة السد والتكيف

قبل الحديث عن مفهوم "معضلة السد" لا بد من المرور على مفهوم "التكيف"، وكما هو معروف فللتكيف أنواع كثيرة؛ أهمها: التكيف النفسي وهو ما يتعلق بسلوك الفرد نتاج قدرته على الإدراك. وبحكمة من الله تعالى فإن الكائنات جميعها تمتلك القدرة على التكيف بمحيطها ومع المتغيرات في سبيل البقاء والاستمرار، إلا في حالات نادرة يصعب فيها التكيف، ومن تلك الكائنات الإنسان الذي وهبه الله  ﷻ  قدرة عجيبة على التكيف الجسدي والنفسي والعقلي.  ومن أهم الأمور التي تكيف معها الإنسان هي المتغيرات عامة ومنها المتغيرات الفكرية خاصة؛ حيث يخضع الإنسان للتكيف مع تلك المتغيرات بشكل تدريجي متأثرا بعوامل كثيرة، أهمها الإحساس فإما أن يكون التكيف إيجابيا من خلال الإحساس بما حوله أو أن يكون التكيف سلبيا وذلك بوقوعه في الاضطراب، كذلك التخطيط فإما أن يكون التكيف إيجابيا من خلال التخطيط الجيد ورسم التوقعات والاحتمالات وطرق التصرف فيها أو أن يكون التكيف سلبيا بسبب قصر العقل أو اللامبالاة، وأيضًا الرغبة والقناعة فإما أن يكون التكيف بشكل إيجابي من خلال الإرادة المتقدة المتجددة أو أن يكون التكيف سلبيا بسبب فتور الهمة

النصيرية من أقلية مهمشة إلى سلطة الاستبداد المطلق

من أقلية على هامش التاريخ والجغرافيا إلى قوة وحيدة في سوريا الحديثة! في عام 1921ميلادي أي بعد احتلال فرنسا لسوريا بعام واحد، افتتحت باب الانتساب ضمن ما أسمته "الفيلق السوري" وعُرف أيضًا باسم "قوات الشرق الخاصة". كان التركيز الفرنسي على جذب الأقليات المذهبية والعرقية تحديدًا "النصيرية" كما تشير الكثير من الدراسات والكتب المتعلقة بتأريخ سوريا الحديثة. وجد العلويين فرصة لهم في التطوع، ففرنسا قدمت لهم ترغيبات كثيرة منها منحهم فرصة لتلقي تعليم جيد، بالإضافة للرواتب المغرية للطائفة الفقيرة المشتتة، كما أن الخدمة العسكرية منحتهم شيء من السلطة تحت الحماية الفرنسية، كما صار بإمكانهم التوغل في المدن للتعايش مع المدن الحضرية بسبب أماكن خدمتهم بعدما كانوا في الجبال والأرياف المهمشة، وكلما زادت المغريات تضاعف تدفق النصيرية على وجه الخصوص للالتحاق بالفيلق. أما أهل السُنَّة وهم الغالبية الساحقة في البلد، فكان موقف الغالبية منهم بالنسبة للخدمة العسكرية تحت الاحتلال الفرنسي سلبي جدًا، إذ كانوا يعتبرونه عار وذل وخيانة، وبالتالي فكان الواقع الطبيعي أن يتنامى نفوذ النصيرية تح