التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مقتل المستبد الصغير وتأهيل البديل

في عام 1994 ميلادي قُتل باسل ابن حافظ المجرم إثر ما قيل أنه حادث سيارة طبيعي، لكن التكتم على التفاصيل وشعور الناس بالصراع الداخلي بين المافيات في الدولة اصطحب معه شكوك كثيرة حول حقيقة مقتل باسل، وقد قيل أن من قتله هم أقربائه على خلفية خلاف حاد متعلق ببيع وتهريب الأسلحة والمخدرات، ومما ساهم في تصديق تلك الروايات سعي حافظ ثم بشار من بعده لتحصيل الأرصدة الضخمة التي تركها باسل بعد مقتله في البنوك السويسرية ويُقال أنها تتعدى ملايين الدولارات، وكل المحاولات في استعادة الأموال فشلت حتى الآن.
هذه العائلة القذرة النتنة من الأصل نجس، قبل سنوات كانت تشتهي رغيف الخبز وتفرح لمكرمة أو مساعدة تتلقاها من المحسنين المتعاطفين!، باتت بعد ذلك تتحكم بدولة كاملة فتنهب وتسلب وتبتز دونما رادع أو شعور بأدنى مستوى من شيء اسمه "ضمير".
شكل مقتل باسل صدمة لحافظ المجرم الذي كان يعده ويهيئه ليكون خليفته في الاستبداد والطغيان، فلم يكن الإعلام الرسمي أو المحلي يجرؤ على تمجيد أحد غير حافظ "قائد الدولة والمجتمع" غير أن باسل حظي بنفس التمجيد مما يدل على رغبة حافظ في تصديره، فكان باسل في الإعلام هو "الفارس والبطل والمغوار والطموح" وبموته اكتسب ألقاب إضافية تعبيرًا عن مدى "خسارة" الدولة والمجتمع لشخص قل نظيره، فكان لا يُذكر اسمه في الإعلام إلا بعد قول: الرائد الركن المهندس المظلي الفارس الشهيد باسل حافظ الأسد.، نسأل الله أن يتقبل في جهنم هو أبوه وباقي العائلة النجسة التي أدمت البلد وصعدت على جمام الأبرياء.
على العموم، كان أمام حافظ تحدي جديد بعد مقتل باسل الخليفة الذي اشتد عوده قبل أن يُقطع فجأة، وبرغم وجود أشقاء لباسل إلا أن حافظ وقع اختياره على ابنه بشار الذي كان في بريطانيا يستكمل دراساته في تخصص طب العيون، فأرسل في طلبه ومن فوره بدأ بتأهيله وتجهيزه ليكون هو الخليفة الجديد.
وفي عام 2000 ميلادي نفق حافظ المجرم بعد صراع مع مرضه النادر (ابيضاض الدم)، ليستلم الحكم من بعده بشار المجرم، بترتيب من الدائرة التي بقيت وفية لحافظ بغية استمرار مصالحها القذرة لا من باب الوفاء بمعناه الطبيعي، فخلال شهر (بين نفوق حافظ واستلام بشار) تم تعديل الدستور وتفصيله ليتناسب مع "الرئيس" الجديد المفروض بقوة السلاح والإرهاب.
سار بشار المجرم على نهج أبيه بل تفوق عليه بالإجرام وابتكار أساليب الإذلال والقهر، برغم أن خطابه الأولى بعد الرئاسة كان قد تعهد "بالانفتاح ومزيد من الحريات" ورفع شعارات أخرى مضافة لشعارات والده، كشعار "التطور والحداثة والإنتاجية" ونحوها.
إلا أن الفرع لا ينفك عن الأصل في هذه العائلة النجسة، فبعدما استلم السلطة قهرًا وغصبا بدأ يرفع الدائرة التي يثق بها ليكونا بمثابة دعامات لحكمه، فمنح من يثق بهم أكثر المناصب حساسية في الأمن والمخابرات والجيش وحتى في الحزب (حزب البعث) ليصبح أخوه المجرم ماهر قائد الفرقة الرابعة في الحرس الجمهوري وهي تشكيل يُعتبر خارج تنظيم الجيش الرسمي ومستقل بذاته يشبه إلى حد ما فكرة سرايا الدفاع التي منحها حافظ لشقيقه رفعت (سيناريو تكرر) كم أنه منح خاله "حافظ مخلوف" رئيس فرع الأمن الخاص بالمراقبة والتجسس الداخلي، وابن عمته "شاليش" في منصب رئيس الأمن الرئاسي ورئيس فرع العمليات الخارجية في المخابرات، و"آصف شوكت" زوج اخته بشرى بمنصب المنسق العام بين الأفرع الأمنية، أما "رامي مخلوف" ابن خاله أطلق له اليد ليصير حوت الاقتصاد السوري الأوحد وفي الوقت نفسه هو المسؤول عن عمليات غسيل الأموال الخاصة برؤوس النظام نتاج عمليات السرقة والفساد والسلب والابتزاز.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بين الإعمار وأثر الدمار

أيهما أفضل؛ إزالة آثار الحرب والنهوض بإعمار بقعة المحرر، أم ترك آثار الحرب؟ إزالة آثار الحرب والانشغال بالمشاريع و"نهضة" المحرر، وإن كانت تحمل معها إيجابيات، إلا أن سلبياتها أكبر بالمنظور القريب والبعيد. والأسباب يمكن توضيحها أو لفت الانتباه لها كالآتي: -غياب آثار الدمار والحرب سينعكس سلبًا على مسيرة الثأر في النفوس الملتهبة، ولا يعني ذلك ترك الطرقات سيئة والدمار الذي يعطل سير الحياة، إنما القصد سيتبين فيما يأتي. -بناء المشاريع الضخمة من مطاعم ومنتزهات وغيرها، يصرف الجهد عما هو أولى، ألا وهو صب الجهد والمال في طريق التحرير، ثم أن الذي يرتاد تلك الأماكن غالبًا ليسوا مقاتلين، أولئك الذين هم أولى بالتفكير بمشاريع يستفيدون منها بشكل مباشر بدل أن يستفيد "التجار" على حساب رباط وثبات المجاهدين. -النفس تتطبع مع ما يتكرر أمام العين من رؤيا، ورؤية المحرر منشغل بالعمار والمشاريع وضخ الأموال الضخمة، سيصرف الناس إلى أن تعتاد حياتها وتبتعد عن فكرة التضحية والعودة للدمار والخوف على الحياة ومصالها. -الحدائق العامة والكافيتريات وغيرها من مشاريع الترفيه، غالبًا يرتادها فئة الشباب، وأ

معضلة السد والتكيف

قبل الحديث عن مفهوم "معضلة السد" لا بد من المرور على مفهوم "التكيف"، وكما هو معروف فللتكيف أنواع كثيرة؛ أهمها: التكيف النفسي وهو ما يتعلق بسلوك الفرد نتاج قدرته على الإدراك. وبحكمة من الله تعالى فإن الكائنات جميعها تمتلك القدرة على التكيف بمحيطها ومع المتغيرات في سبيل البقاء والاستمرار، إلا في حالات نادرة يصعب فيها التكيف، ومن تلك الكائنات الإنسان الذي وهبه الله  ﷻ  قدرة عجيبة على التكيف الجسدي والنفسي والعقلي.  ومن أهم الأمور التي تكيف معها الإنسان هي المتغيرات عامة ومنها المتغيرات الفكرية خاصة؛ حيث يخضع الإنسان للتكيف مع تلك المتغيرات بشكل تدريجي متأثرا بعوامل كثيرة، أهمها الإحساس فإما أن يكون التكيف إيجابيا من خلال الإحساس بما حوله أو أن يكون التكيف سلبيا وذلك بوقوعه في الاضطراب، كذلك التخطيط فإما أن يكون التكيف إيجابيا من خلال التخطيط الجيد ورسم التوقعات والاحتمالات وطرق التصرف فيها أو أن يكون التكيف سلبيا بسبب قصر العقل أو اللامبالاة، وأيضًا الرغبة والقناعة فإما أن يكون التكيف بشكل إيجابي من خلال الإرادة المتقدة المتجددة أو أن يكون التكيف سلبيا بسبب فتور الهمة

النصيرية من أقلية مهمشة إلى سلطة الاستبداد المطلق

من أقلية على هامش التاريخ والجغرافيا إلى قوة وحيدة في سوريا الحديثة! في عام 1921ميلادي أي بعد احتلال فرنسا لسوريا بعام واحد، افتتحت باب الانتساب ضمن ما أسمته "الفيلق السوري" وعُرف أيضًا باسم "قوات الشرق الخاصة". كان التركيز الفرنسي على جذب الأقليات المذهبية والعرقية تحديدًا "النصيرية" كما تشير الكثير من الدراسات والكتب المتعلقة بتأريخ سوريا الحديثة. وجد العلويين فرصة لهم في التطوع، ففرنسا قدمت لهم ترغيبات كثيرة منها منحهم فرصة لتلقي تعليم جيد، بالإضافة للرواتب المغرية للطائفة الفقيرة المشتتة، كما أن الخدمة العسكرية منحتهم شيء من السلطة تحت الحماية الفرنسية، كما صار بإمكانهم التوغل في المدن للتعايش مع المدن الحضرية بسبب أماكن خدمتهم بعدما كانوا في الجبال والأرياف المهمشة، وكلما زادت المغريات تضاعف تدفق النصيرية على وجه الخصوص للالتحاق بالفيلق. أما أهل السُنَّة وهم الغالبية الساحقة في البلد، فكان موقف الغالبية منهم بالنسبة للخدمة العسكرية تحت الاحتلال الفرنسي سلبي جدًا، إذ كانوا يعتبرونه عار وذل وخيانة، وبالتالي فكان الواقع الطبيعي أن يتنامى نفوذ النصيرية تح