التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الأخوين المتنافسين على الإجرام

في عام 1984 ميلادي حرك رفعت المجرم (شقيق حافظ) الموالين له في أفرع الأمن والمخابرات بالإضافة لسرايا الدفاع التي أسسها قبل عشرين عامًا بدعم من حافظ لتكون السرايا قوة مضمونة الولاء ومتفوقة في إحباط أي انقلاب قد يحدث ضد العائلة النجسة التي بدأت تتغلغل في كامل مفاصل الدولة، حاصرت قوات رفعت المجرم مراكز الأمن بالدبابات في دمشق بالإضافة لمقر الإعلام الرسمي في الفترة التي كان حافظ ملقى على فراش المرض في المشفى العسكري.
كانت مبررات رفعت عدم رضاه عن سياسة حافظ حيال كثير من الأمور، تحديدًا فيما يخص طريقة الحكم والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وفيما يبدو رفعت كان يرى حافظ لين "ربما" في بعض القضايا!، فرفعت المجرم أشتهر عنه حبه الشديد للدماء واستمتاعه بالعنف المطلق وبغضه الشديد لأهل السُنَّة، لكنه أرعن غبي مختلف عن حافظ المجرم الذي كان يتمتع بذكاء وهدوء مكناه من المكر والغدر حتى تمكن ثم أحكم قبضته على مدار ثلاثة عقود.
شعر حافظ بحركة مريبة من رفعت وتنامت لمسامعه من جواسيسه نية انقلاب رفعت، فعمد لإزاحة رفعت بهدوء وبدون صدام دموي، فقام بعزله من قيادة سرايا الدفاع ووعده بمنصب آخر يكون مناسب.
لم ترق لرفعت الفكرة وشعر بأنه سيكون رقم جديد في ضحايا أخوه الذي اعتاد التخلص من كل معاونيه واستبدالهم بمعاونين جدد ليضمن عدم تحزب المعاونين وبناء علاقات قد تشكل خطر عليه.
فقرر أن يقدم على الانقلاب بسرعة وبطريقته الهمجية العبثية، ووجه موالوه وأتباعه لحصار مراكز الأمن كما أسلفنا.
وصلت الأنباء لحافظ الملقى في المشفى، فنهض وارتدى الملابس العسكرية واصطحب معه ابنه باسل (كان يُعِد باسل ليكون خليفته) وتوجه بشكل مباشر لبيت أخوه رفعت، التقى الشقيقين في البيت وبحضور الأم النجسة ذات الرحم الموبوء "ناعسة" التي لعبت دورًا محوريًا في إنهاء حالة الاحتقان لصالح حافظ، فأمر رفعت بالانصياع لشقيقه ليستسلم رفعت أمام أوامر الأم وتهديدات أخوه التي حملت معها بعض الترغيبات منها أن يعطيه منصب نائب الرئيس، ولكن بعد أن أُحبط الانقلاب أدرك رفعت أن منصبه الجديد لا يتعدى كونه منصبًا فخريًا لا وزن له، فصحيح أنه شغل منصب نائب الرئيس لكنه كنائب ثاني بعد النائب الأول حينها المجرم "عبد الحليم خدام"، لم يحتمل رفعت فكرة قص أجنحته وتقليم أظافره وسلبه قواه، فقرر الخروج من سوريا إلى المنفى اختياريًا، ليتنقل بين أكثر من دولة قبل أن يستقر في فرنسا ويبقى فيها حتى عودته في عام 2021 ميلادي بعدما توسل لابن أخيه بشار المجرم عبر وسطاء.
الجدير بالذكر فيما يخص رفعت، قضيتين مهمتين: أولهما أنتشار وثائق حديثة تتحدث عن أن رفعت اختار المنفى بعد مفاوضات مع أخوه حافظ انتهت بتقاضي رفعت مبلغ مالي ضخم مقابل أن يترك كل شيء خلفه ويرحل، وتقول الوثائق المسربة أن معمر القذافي الرئيس الليبي السابق تكفل بدفع المبلغ لرفعت والمقدر بنحو 200 مليون دولار.
القضية الثانية، لم يهاجم رفعت من منافه الثورة السورية التي انطلقت عام 2011م لكنه في الوقت ذاته لم يهاجم نظام الحكم، بل حاول استغلال الحدث ليصدر نفسه على أنه الحاكم المُخلّص والمنقذ والأجدر من ابن أخيه!، مما يدل على أن غبائه السابق تطور وتنامى لخبل متفاقم، وعندما علم أنه غير مرغوب فيه لدى أي طرف من الأطراف المحلية والخارجية، قرر التصالح مع أصله القذر القديم هاربًا من القضايا التي بدأت تخنقه في المحاكم الفرنسية وغيرها، والتي لم تعد تستطيع فرنسا التستر عنها لسنوات إضافية، عاد للنظام الذي اعتاد أن يحمي ويحوي كل شذاذ الآفاق من القتلة والمجرمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بين الإعمار وأثر الدمار

أيهما أفضل؛ إزالة آثار الحرب والنهوض بإعمار بقعة المحرر، أم ترك آثار الحرب؟ إزالة آثار الحرب والانشغال بالمشاريع و"نهضة" المحرر، وإن كانت تحمل معها إيجابيات، إلا أن سلبياتها أكبر بالمنظور القريب والبعيد. والأسباب يمكن توضيحها أو لفت الانتباه لها كالآتي: -غياب آثار الدمار والحرب سينعكس سلبًا على مسيرة الثأر في النفوس الملتهبة، ولا يعني ذلك ترك الطرقات سيئة والدمار الذي يعطل سير الحياة، إنما القصد سيتبين فيما يأتي. -بناء المشاريع الضخمة من مطاعم ومنتزهات وغيرها، يصرف الجهد عما هو أولى، ألا وهو صب الجهد والمال في طريق التحرير، ثم أن الذي يرتاد تلك الأماكن غالبًا ليسوا مقاتلين، أولئك الذين هم أولى بالتفكير بمشاريع يستفيدون منها بشكل مباشر بدل أن يستفيد "التجار" على حساب رباط وثبات المجاهدين. -النفس تتطبع مع ما يتكرر أمام العين من رؤيا، ورؤية المحرر منشغل بالعمار والمشاريع وضخ الأموال الضخمة، سيصرف الناس إلى أن تعتاد حياتها وتبتعد عن فكرة التضحية والعودة للدمار والخوف على الحياة ومصالها. -الحدائق العامة والكافيتريات وغيرها من مشاريع الترفيه، غالبًا يرتادها فئة الشباب، وأ

معضلة السد والتكيف

قبل الحديث عن مفهوم "معضلة السد" لا بد من المرور على مفهوم "التكيف"، وكما هو معروف فللتكيف أنواع كثيرة؛ أهمها: التكيف النفسي وهو ما يتعلق بسلوك الفرد نتاج قدرته على الإدراك. وبحكمة من الله تعالى فإن الكائنات جميعها تمتلك القدرة على التكيف بمحيطها ومع المتغيرات في سبيل البقاء والاستمرار، إلا في حالات نادرة يصعب فيها التكيف، ومن تلك الكائنات الإنسان الذي وهبه الله  ﷻ  قدرة عجيبة على التكيف الجسدي والنفسي والعقلي.  ومن أهم الأمور التي تكيف معها الإنسان هي المتغيرات عامة ومنها المتغيرات الفكرية خاصة؛ حيث يخضع الإنسان للتكيف مع تلك المتغيرات بشكل تدريجي متأثرا بعوامل كثيرة، أهمها الإحساس فإما أن يكون التكيف إيجابيا من خلال الإحساس بما حوله أو أن يكون التكيف سلبيا وذلك بوقوعه في الاضطراب، كذلك التخطيط فإما أن يكون التكيف إيجابيا من خلال التخطيط الجيد ورسم التوقعات والاحتمالات وطرق التصرف فيها أو أن يكون التكيف سلبيا بسبب قصر العقل أو اللامبالاة، وأيضًا الرغبة والقناعة فإما أن يكون التكيف بشكل إيجابي من خلال الإرادة المتقدة المتجددة أو أن يكون التكيف سلبيا بسبب فتور الهمة

النصيرية من أقلية مهمشة إلى سلطة الاستبداد المطلق

من أقلية على هامش التاريخ والجغرافيا إلى قوة وحيدة في سوريا الحديثة! في عام 1921ميلادي أي بعد احتلال فرنسا لسوريا بعام واحد، افتتحت باب الانتساب ضمن ما أسمته "الفيلق السوري" وعُرف أيضًا باسم "قوات الشرق الخاصة". كان التركيز الفرنسي على جذب الأقليات المذهبية والعرقية تحديدًا "النصيرية" كما تشير الكثير من الدراسات والكتب المتعلقة بتأريخ سوريا الحديثة. وجد العلويين فرصة لهم في التطوع، ففرنسا قدمت لهم ترغيبات كثيرة منها منحهم فرصة لتلقي تعليم جيد، بالإضافة للرواتب المغرية للطائفة الفقيرة المشتتة، كما أن الخدمة العسكرية منحتهم شيء من السلطة تحت الحماية الفرنسية، كما صار بإمكانهم التوغل في المدن للتعايش مع المدن الحضرية بسبب أماكن خدمتهم بعدما كانوا في الجبال والأرياف المهمشة، وكلما زادت المغريات تضاعف تدفق النصيرية على وجه الخصوص للالتحاق بالفيلق. أما أهل السُنَّة وهم الغالبية الساحقة في البلد، فكان موقف الغالبية منهم بالنسبة للخدمة العسكرية تحت الاحتلال الفرنسي سلبي جدًا، إذ كانوا يعتبرونه عار وذل وخيانة، وبالتالي فكان الواقع الطبيعي أن يتنامى نفوذ النصيرية تح