التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مروان حديد رجل في زمن القهر والاستبداد

في عام 1965م وقعت أول مواجهة مسلحة (صغيرة) بين شباب من أبناء السُنَّة بقيادة الشيخ المجاهد مروان حديد ونظام البعث النصيري في مسجد السلطان بمدينة حماة.
(مروان حديد يُعتبر من أشهر وأوائل الذين أعلنوا الجهاد ضد حزب البعث وكشف نواياه وفهِمه حتى قبل أن يستفحل خطره ويتمكن، وهو الزعيم المؤسس والأب الروحي للطليعة المقاتلة التي أرقت وأوجعت نظام البعث على مدار سنوات، وهو الشخصية التاريخية الحاضرة في عقول كل الأحرار المتتابعين في الشام ورمز من رموز حماة الأبية هذه المدينة التي يعجز القلم أن يكتب عن كل بطولاتها ومدى عزيمة الرجال فيها).
كان مروان حديد قد عاد من مِصر عام 1964م بعد أن أكمل دراسته هناك وحصول على البكالوريوس من كلية الهندسة، لكنه في الوقت ذاته كان قبل السفر لمصر يهدف ويتوق للقاء سيد قطب وتلاميذ حسن البنا، أما عن سبب لهفته للقائهم فهو بنفسه يرويه لنا، يقول: "لقد كنت اشتراكيًا بدافع البيئة التي أعيشها بين أشقائي وبدافعٍ من واقع الأمة المرير الذي يبحث عن طريق الخلاص من الاستبداد المُسلّط على الإنسان البسيط، وفي يوم من الأيام دخلتُ البيت وإذ بأخي الكبير أحمد يقول: قتل اليوم أخطر رجل على الأمة العربية.، وكالَ لهذا الرجل الشتائم والسباب بأقذع العبارات المعروفة، فقلت له: من هو هذا الرجل، قال: حسن البنا شيخ الإخوان في مصر.، فوقع هذا الخبر وقع الصاعقة في نفسي وثارت في نفسي تساؤلات كثيرة عن طبيعة هذا الرجل وفكره ودوره الذي أخاف هؤلاء القوم وكان وجوده خطرٌ على الأمة العربية، فقررت البحث عن أجوبة لهذه التساؤلات وتتبعت الخبر أولاً من الراديو وتيقنت، ثم بحثتُ عن كتبه فقرأتُ من رسائله ما أمكنني يومها أن أطّلع عليه، وسألتُ عنه من يعرفه لأسمع منهم ما يعرفونه عنه، وكان بعدها بفضل الله ورحمته التحول من العماية إلى الهدى ومن الضلال إلى الرشاد ومن الجندية للباطل إلى الجندية للحق". وبالفعل التقى في سفره لمصر بسيد قطب وبكثير من تلاميذ حسن البنا.
عندما كان الشيخ مروان في مصر كان على متابعة دقيقة بما يجري في سورية، وكان مدرك لخطر حزب البعث وهو ما تكشف لكل الناس بعد فترة قصيرة، وعندما عاد مروان لسوريا بدأ نشاطه بدون مواربة، حيث كان يصعد على المنبر ويحرض ضد الحكم ويحذر الناس نتيجة صمتهم إذا ما تمكن البعث واستحكم في الحكم، بل كان يجاهر بأن النظام البعثي النصيري كافر وجب قتاله ومجابهته، وفي تلك الأيام المتقاربة حصلت حادثة بسيطة كان لها تبعات كبيرة، حيث أقدم بعض الشبان في إحدى المدارس على كتابة آية قرآنية على لوح الصف (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) مما أثار غضب الطلاب البعثيين لينتهي الأمر وبعد اشتباكات بالأيدي لتدخل المخابرات واعتقال الطلاب المشاركين بكتابة الآية، ليواجهوا حكم السجن لمدة عام ودفع غرامات مالية.
خرجت حماة في تظاهرات تضامنية مع الطلاب ونادت بالإفراج عنهم كما أنها وجهت دعوة لعموم أهالي حماة للقيام بإضراب عام، حصل الإضراب وعجز الجيش الذي تدخل بأوامر من القيادة عن إيجاد حل تعود من خلاله المدينة لطبيعة ما كانت عليه، بل تدخل الجيش زاد من الأمر تعقيدًا إذ صعّد الناس من احتجاهم واعتصم قسم منهم في مسجد السلطان، مما دفع محافظ حماة آن ذاك (المجرم عبد الحليم خدام) لاستدعاء المخابرات والأمن بغية فض الاعتصام، لكنها (القوة) فشلت هي الأخرى بعدما تمنع المعتصمون وقاوموا بأسلحة فردية وخفيفة (مسدسات وزجاجات مولوتوف) رافضين أي حل غير تحقيق مطلبهم، لتقرر قيادة البعث اتخاذ خطوة إجرامية أكبر على مبدأ: إن لم ينفع العنف، فالمزيد منه ينفع.، بدأت قذائف المدفعية تنهال على المسجد ومحيطه مع تقدم الدبابات.، لينتهي المطاف باستشهاد عدد من المعتصمين المقاومين في المسجد واعتقال البقية ومن بينهم المجاهد مروان حديد.
الجدير بالذكر قبل أن نستكمل قصة بطلنا، في تلك الفترة كان الرئيس لسوريا أمين حافظ، أما المجرم حافظ كلب وصلاح جديد كانوا قيادات في الجيش وهم المحرك الرئيسي للأحداث الإجرامية مع قيادات بعثية أخرى.
تم تقديم مروان ومن معه للمحاكمة في المحكمة العسكرية التي كان يترأسها مصطفى طلاس المجرم (محكمة صورية فيها الأحكام مسبقة ومفصلة بحسب رغبة قيادات البعث)، وذكر بعض الشهود عن حديث دار بين مروان حديد ومصطفى طلاس يُعبر عن فكر الشيخ المجاهد وجرأته في الحق، وقد كانت جلسة المحاكمة هذه علنية ومنقولة عبر أثير الإذاعة قبل أن يتم قطع البث.
ومما جاء في تلك المحاكمة؛ قال المجرم طلاس للشيخ مروان: أنت عميل.
فرد عليه مروان: أنا عميلٌ لله.
فقال طلاس: أنت مأجور.
فأجابه مروان: أنا مأجورٌ من الله.
قال طلاس: حكمت عليك المحكمة بالإعدام شنقاً حتى الموت.
تبسم مروان ابتسامة ساخرة قائلًا: والله يا مسكين لو عرفتُ أنّ بيدك الموت والحياة لعبدتُّكَ من دون الله.
صدر حكم الإعدام بحق المجاهد مروان حديد وإخوانه، وطار الخبر في آفاق عموم سورية حاملًا معه موجة تعاطف عارمة في جميع أنحاء البلد مع حالة من الترقب حيال مصير المجاهدين، فقام مجموعة من العلماء والمشايخ بتشكيل وفد "للتوسط" نتج عنه تدخل الرئيس "أمين حافظ" ليوقف حكم الإعدام أمام شعوره بأن إعدام المجاهدين سيكون له تبعات هو بغنى عنها.
خروج مروان حديد من الأسر لم يكن إلا سببًا مضاعفًا في إصراره على الجهاد المسلح، لكنه فهم أن الأمر لا يمكن أن يتم كما فعل في المرة الأولى، أي إعلان الجهاد فقط من على المنبر بل أدرك أن التخطيط والسرية أصل في العمل في مثل تلك الظروف، وبرغم ذلك لم يكن ليخفي دعوته وسعيه وإعداده مما دفع حافظ المجرم وصلاح جديد لاعتقاله مرة أخرى عام 1966م لكنهم اضطروا للإفراج عنه بعد عام أمام ضغط داخلي مترافق مع دخول الجيش السوري الهزيل حربًا مع الكيان الصهيوني عام 1967م.
تأكد مروان من رغبة وسعي ضباط البعث التخلص منه وتحديدًا المجرم حافظ، عندها اضطر للتخفي والسرية ليس رغبة بالحياة إنما في إتمام مشروع تمنا له الدوام، فتنقل بشكل متخفي لينتهي به المطاف أن يستقر في دمشق بشكل سري.، تأكد النظام المجرم أن مروان يجهز وينظم لعمل مسلح طويل الأجل (حرب استنزاف "عصابات")، فكثفت من عملية البحث عنه حتى استطاعت المخابرات الوصول إليه في عام 1975م عندما داهموا البيت المتواجد فيه، وبعد اشتباك قصير اصابوه في كتفه، فكبلوه واختطفوه إلى مسالخهم البشرية في أقبية الظلم والظلام الوحشية.
هناك في مسالخهم مارسوا عليه كل أنواع التعذيب لكنهم رغِبوا بأن يبقى على قيد الحياة حتى يستمتعوا بتعذيبه أطول فترة ممكنة ومن خلاله كذلك يضغطوا على أولئك الذين تخرجوا من تحت يديه وهم ما زالوا يستعدون للمواجهة.
يقول الشيخ المجاهد الشهيد مروان حديد -تقبله الله-: إنني شهدت تعذيب الإخوان المسلمين بمصر وقرأت وسمعت عن مختلف أنواع التعذيب في العالم إلا أنني لم أجد أخس ولا أحقر ولا أحط من زبانية حافظ أسد.
كما نقل شهود عيان ممن كانوا أسرى والتقوا بمروان حديد داخل الأفرع، أنه كان في أسوأ حالاته الجسدية بسبب صنوف التعذيب التي ما رسها الضباع عليه، لكنه بقي محافظًا على عزيمته بل أوصى من يخرج منهم من الأسر أن ينقل عنه رسالة كما يقول أحد الشهود الأسرى، كانت الرسالة: انقل عنّي وقل للناس أن هؤلاء الكلاب "ويعني بهم المحققين" أنهم لم يحصلوا مني على كلمة واحدة تُشفى بها صدورهم.
ومع سوء حالته الصحية وتدهورها، رغب نظام البعث بخبثه أن يكتم الأمر مغبة ردت فعل الناس بعدما صار اسم مروان في كل مكان "بطل المستضعفين"، فمثل العادة عند كل الطغاة الذين يسعون لكتم أنفاس الأحرار ودثر اسمهم، ينقلب الأمر ضدهم ليصير للحر اسمًا لامعًا وذكرًا بين حتى أولئك الذين ما كانوا ليسمعوا به.
تم نقله إلى مشفى المزة العسكري بعدما صار يفقد الوعي مرات عديدة في اليوم وما عادت معدته تستقبل الطعام، فأشاعوا أنه كان مضرب عن الطعام تهيئة منهم لإعلان موته بشكل طبيعي وأنهم ليسوا السبب المباشر، وفي أحد الأيام من عام 1976 تحديدًا في الشهر السادس، وبينما كان أهله في زيارة خاصة له بعد سلسلة من الموافقات والوساطات، دخلوا عليه فوجدوه يغرغر الروح ويشير بإصبعه إلى عنقه!، وما هي إلا دقائق حتى فارق الحياة وارتقت روحه الطاهرة ليتضح فيما بعد أن المخابرات أعطوه حقنة في العنق عندما شعروا أن صحته بدأت تعود إليه مع إصراره وعزيمته التي عجزوا أن يقهروها.
قُتل مروان شهيدًا بإذن الله واعتقد الطغاة أنهم طووا صفحته، لكن الله تعالى أراد قهر الظالمين الذين لاحقهم شبح مروان لسنوات بعد موته!، وهو ما كان من ثمرة الجد والاجتهاد والجهاد والمثابرة من مروان، فلم يقضي الله أجله إلا ومروان قد أنجز ما أراد من بذر روح التضحية والجهاد في نفوس كثير من الرجال والشباب الذين لم يتأثروا بموته، بل كان استشهاده دافعًا أقوى للتقدم والعمل رغبة بالوفاء لما كان يتمنى مروان، وقبلها طلبًا لرضى المولى تبارك وتعالى.، وها هو (آن ذاك) المجاهد عبد الستار الزعيم (تلميذ مروان) حمل الراية بقوة، وسيكون نظام البعث المجرم على موعد مشؤوم بطلائع المجاهدين تثخن فيه في كل مكان.
في عام 1979 ميلادي كانت الطليعة المقاتلة (جند مروان حديد وثمرة جهده) قد وسعت وكثفت من عملياتها ضد عناصر الأمن والمخابرات، ومع كل عملية يقوم بها المجاهدين كانت الناس تزداد حماستها وتجاهر بتعاطفها وتأييدها، وحاول آلاف من الناس البحث عن طريقة ليلتحقوا بالطليعة المقاتلة لكنَّ عسر الحال وقلة المال والسلاح وتآمر الداخل والخارج لطالما حال بين لحاق أولئك الآلاف بالجهاد، إلا أن قيادة الطليعة لم تفتأ تبحث عن حل يستطيعون من خلاله استيعاب الأعداد الضخمة والانتقال بالعمل المسلح من مرحلة الخلايا والسرية إلى المجابهة، ولطالما كانوا يخشون التسرع والارتجال بالمواجهة بدون أخذ الحسابات الصحيحة فيقعوا بفخ المواجهة الغير متكافئة (قال ذلك عدنان عقلة وأيمن الشربجي) والتي كان يسعى لها نظام البعث محاولًا أن يجبر خلايا الطليعة للخروج من القواعد السرية، حتى يتمكن من القضاء عليهم بأعداده المتفوقة وسلاحه المدمر وعنفه المفرط، فمارس النظام المجرم كل الأساليب في سبيل ذلك مما دفع الناس لعدم قدرة تحمل مزيد من البطش والذل منادين الطليعة أن تسلحهم وتدافع عنهم، الأمر الذي فرض واقع لم تكن الطليعة ترغب به لكنها باتت آن ذاك مجبرة على فعل أي شيء حيال البطش والقتل تحديدًا في مدينة حماة.
حصلت المواجهة الغير متكافئة وحملت معها النتيجة المعروفة مسبقًا لدى قيادة الطليعة والنظام المجرم كذلك، فتقدم قادة الطليعة كل العمليات ليرتقوا الواحد تلو الآخر، منهم القائد الشهيد أيمن شربجي الذي نفذ عملية استشهادية بنفسه في دمشق بأحد مؤسسات الدجل والكذب، أما حماة فتم حصارها وقصفها على مدار الساعة لتكون حماة الحبيبة على موعد قاسي مع ضباع العصر وأقذر من عرفهم التاريخ، أولئك الوحوش الذين نفذوا مجزرة عام 1982 ميلادي ثم دخلوها ليستبيحوا ما تبقى منها ويضحكوا على أطلالها ضحكات الجبناء، وتطوى صفحة مليئة بالعزة والكرامة والبطولة كانت ألمع أحداثها في حماة وحلب ودمشق، لكنها في الوقت ذاته تركت ندبات لا يمكن للوقت أن يمحو آثارها، تلك الآثار المؤلمة كانت مهمة في تاريخنا كي نستحضرها على الدوام وعلى طول الوقت، لنغذي بها حب الثأر من القتلة المجرمين، ونجعل بأسنا كله منصبًا على أقذر من عرفتهم الدنيا، وهي ذاتها -الندبات- حجة على كل من يدعي أنه حُر وليس بعبد ذليل لكلب عقور، حجة يقيمها الله تعالى على الخلق أن القعود مآله خزيٌ في الدنيا وعذابٌ في الآخرة، والنهوض بعزيمة تحمل معها عزة في الدنيا من الله سبحانه وكرامة في الآخرة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بين الإعمار وأثر الدمار

أيهما أفضل؛ إزالة آثار الحرب والنهوض بإعمار بقعة المحرر، أم ترك آثار الحرب؟ إزالة آثار الحرب والانشغال بالمشاريع و"نهضة" المحرر، وإن كانت تحمل معها إيجابيات، إلا أن سلبياتها أكبر بالمنظور القريب والبعيد. والأسباب يمكن توضيحها أو لفت الانتباه لها كالآتي: -غياب آثار الدمار والحرب سينعكس سلبًا على مسيرة الثأر في النفوس الملتهبة، ولا يعني ذلك ترك الطرقات سيئة والدمار الذي يعطل سير الحياة، إنما القصد سيتبين فيما يأتي. -بناء المشاريع الضخمة من مطاعم ومنتزهات وغيرها، يصرف الجهد عما هو أولى، ألا وهو صب الجهد والمال في طريق التحرير، ثم أن الذي يرتاد تلك الأماكن غالبًا ليسوا مقاتلين، أولئك الذين هم أولى بالتفكير بمشاريع يستفيدون منها بشكل مباشر بدل أن يستفيد "التجار" على حساب رباط وثبات المجاهدين. -النفس تتطبع مع ما يتكرر أمام العين من رؤيا، ورؤية المحرر منشغل بالعمار والمشاريع وضخ الأموال الضخمة، سيصرف الناس إلى أن تعتاد حياتها وتبتعد عن فكرة التضحية والعودة للدمار والخوف على الحياة ومصالها. -الحدائق العامة والكافيتريات وغيرها من مشاريع الترفيه، غالبًا يرتادها فئة الشباب، وأ

معضلة السد والتكيف

قبل الحديث عن مفهوم "معضلة السد" لا بد من المرور على مفهوم "التكيف"، وكما هو معروف فللتكيف أنواع كثيرة؛ أهمها: التكيف النفسي وهو ما يتعلق بسلوك الفرد نتاج قدرته على الإدراك. وبحكمة من الله تعالى فإن الكائنات جميعها تمتلك القدرة على التكيف بمحيطها ومع المتغيرات في سبيل البقاء والاستمرار، إلا في حالات نادرة يصعب فيها التكيف، ومن تلك الكائنات الإنسان الذي وهبه الله  ﷻ  قدرة عجيبة على التكيف الجسدي والنفسي والعقلي.  ومن أهم الأمور التي تكيف معها الإنسان هي المتغيرات عامة ومنها المتغيرات الفكرية خاصة؛ حيث يخضع الإنسان للتكيف مع تلك المتغيرات بشكل تدريجي متأثرا بعوامل كثيرة، أهمها الإحساس فإما أن يكون التكيف إيجابيا من خلال الإحساس بما حوله أو أن يكون التكيف سلبيا وذلك بوقوعه في الاضطراب، كذلك التخطيط فإما أن يكون التكيف إيجابيا من خلال التخطيط الجيد ورسم التوقعات والاحتمالات وطرق التصرف فيها أو أن يكون التكيف سلبيا بسبب قصر العقل أو اللامبالاة، وأيضًا الرغبة والقناعة فإما أن يكون التكيف بشكل إيجابي من خلال الإرادة المتقدة المتجددة أو أن يكون التكيف سلبيا بسبب فتور الهمة

النصيرية من أقلية مهمشة إلى سلطة الاستبداد المطلق

من أقلية على هامش التاريخ والجغرافيا إلى قوة وحيدة في سوريا الحديثة! في عام 1921ميلادي أي بعد احتلال فرنسا لسوريا بعام واحد، افتتحت باب الانتساب ضمن ما أسمته "الفيلق السوري" وعُرف أيضًا باسم "قوات الشرق الخاصة". كان التركيز الفرنسي على جذب الأقليات المذهبية والعرقية تحديدًا "النصيرية" كما تشير الكثير من الدراسات والكتب المتعلقة بتأريخ سوريا الحديثة. وجد العلويين فرصة لهم في التطوع، ففرنسا قدمت لهم ترغيبات كثيرة منها منحهم فرصة لتلقي تعليم جيد، بالإضافة للرواتب المغرية للطائفة الفقيرة المشتتة، كما أن الخدمة العسكرية منحتهم شيء من السلطة تحت الحماية الفرنسية، كما صار بإمكانهم التوغل في المدن للتعايش مع المدن الحضرية بسبب أماكن خدمتهم بعدما كانوا في الجبال والأرياف المهمشة، وكلما زادت المغريات تضاعف تدفق النصيرية على وجه الخصوص للالتحاق بالفيلق. أما أهل السُنَّة وهم الغالبية الساحقة في البلد، فكان موقف الغالبية منهم بالنسبة للخدمة العسكرية تحت الاحتلال الفرنسي سلبي جدًا، إذ كانوا يعتبرونه عار وذل وخيانة، وبالتالي فكان الواقع الطبيعي أن يتنامى نفوذ النصيرية تح