في عام 1963 ميلادي وبعد الانقلاب (انقلاب حزب البعث) جرى توقيع وثيقة تضمنت مشروع وحدة جديد بين كلٍ مصر وسورية والعراق، كانت اللجنة الخماسية (ذكرناها في منشور سابق) ما زالت تعمل بنشاط محاولةً استثمار كل حدث ومشروع في سبيل تحقيق طموحاتها، وقد كان مشروع الوحدة يمثل ركيزة في الشعارات البراقة التي تنادي بها كثير من الأحزاب من بينهم حزب البعث (وحدة حرية اشتراكية – أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، وبكل تأكيد لم تكن اللجنة الخماسية ولا حزب البعث يرغبون بأي مشروع وحدوي لا يكونون فيه الرأس الأوحد، لكن التماشي مع رغبة "الجماهير" كان في سبيل كسب مزيد من الوقت لتثبيت الأقدام بالإضافة لكسب مزيد من التأييد عبر تلك الشعارات الفارغة المضمون والشكل.
لم يكن طرح مشروع الوحدة وتوقيع الوثيقة ليدوم، فسرعان ما انتهى في مهده عندما جرت محاولة انقلاب فاشلة في سورية اتضح أنها بدعم مصري!، نتج عنها تسريح مئات الضباط الناصريين ( أيديولوجية سياسية اشتراكية عربية قومية تستند إلى فكر جمال عبد الناصر الرئيس المصري في ذلك الوقت) كما تم إعدام نحو خمسة وعشرون ضابط من الانقلابيين على رأسهم الضابط جاسم علوان، ويبدو أن الانقلاب الفاشل كان الفرصة الذهبية التي انتظرها حزب البعث (اللجنة الخماسية)، فبعد إحباط الانقلاب قام حزب البعث وغيره من الطامحين بتصفية المناوئين واتهام العشرات بأنهم متورطين مع الانقلابيين، وبذلك تخلص حزب البعث من معظم منافسيه بل وأصبح صلاح جديد رئيس لهيئة الأركان العامة، أما حافظ المجرم فصار المسؤول عن تدعيم شبكة حزب البعث داخل الجيش.
وفي عام 1966 ميلادي قام المجرم حافظ وصاحبه صلاح جديد بتنفيذ انقلاب عسكري صدَّروا من خلاله "نور الدين الأتاسي" كواجهة في الرئاسة، والجدير بالذكر أن الانقلاب حمل معه إنهاء عقد الصداقة مع رفقاء الأمس في اللجنة الخماسية التي تحدثنا عنها سابقًا، لتنتهي مسيرة اللجنة السرية الخماسية ويتم استبدالها بعقد ثنائي جديد بين حافظ المجرم وصلاح جديد، بعدما غدرا بالثلاثة الآخرين.
ومن المهم أن نوضح سبب كثرة الانقلابات في فترة زمنية قصيرة، ليتضح للقارئ الحالة التي كانت عليها سورية في تلك الحقبة.
على سبيل المثال ما حصل في عام 1949 ميلادي ففي هذا العام تحديدًا انقلب حسني الزعيم بدعم فرنسي أمريكي على الرئيس شكري القوتلي، وما أن انقلب حسني حتى فاجأه في العام ذاته سامي الحناوي بانقلاب أطاح به (أي أزال حسني الزعيم)، ولم يكن لسامي أن يستقر حتى انقلب عليه أديب الشيشكلي!..
وهكذا وعلى نفس المنوال وفي فترات مختلفة استمرت الانقلابات متتالية في سورية بعد الاستقلال حتى عام 1971 ميلادي عندما وصل حافظ المجرم للسلطة أيضًا من خلال الانقلاب، وكل تلك الانقلابات تعود لمجموعة من الأسباب لكنها تعتبر ثانوية متفرعة من سببين رئيسيين: حب السلطة والتأثر بصراع الدول العظمى وتجاذباتها.
تعليقات