في عام 1958 ميلادي جرت الوحدة بين سوريا ومصر ليصبح اسم الدولة الجديد: الجمهورية العربية المتحدة التي لم تدم طويلًا، على كل حال لم تكن تلك الوحدة التي طبل لها الأطراف إلا لغايات شخصية وحدت مصلحة طرفي الاتحاد في تلك الأثناء (جمال عبد الناصر رئيس مصر وشكري القوتلي رئيس سورية)، هذه المصالح التي وصلت سريعًا لمفترق طرق، كما أن حزب البعث العربي الاشتراكي (الحزب الصاعد – حزب أغلب قياداته من الأقليات تحديدًا النصيرية) لم تكن الوحدة لتحقق له -أي للحزب- ما كان يرغب ويطمع، تحديدًا القيادات العسكرية من الحزب، فعمد بعض الضباط في الحزب لمجابهة الوحدة بطرق سرية عبر أدوات مختلفة وطرق متنوعة بدأت بتشكيل لجنة عرفت باسم اللجنة الخماسية السرية في عام 1959 ميلادي وتتكون من: المقدم محمد عمران (نصيري) – الرائد صلاح جديد (نصيري) – النقيب حافظ المجرم (نصيري) – الرائد أحمد الأمير (إسماعيلي) – النقيب إسماعيل الجندي (إسماعيلي). هذه اللجنة القذرة سيكون لها دور كبير في أحداث كثيرة كما سيأتي معنا تباعًا.
وأول المهام والأمور التي اتفقت عليها اللجنة السرية، هو إعادة تنظيم حزب البعث داخل القوات المسلحة، أي من الممكن أن نسميه انقلاب ناعم على حزبهم (الجناح السياسي الذي صار هزيلًا مشتتًا) وهو ما تحقق لهم بالفعل في الأعوام التالية.
انتهت الوحدة بين مصر وسورية في عام 1961 ميلادي بعد انقلاب عسكري وقع في دمشق أزاح السلطة السابقة وحل محلها سلطة جديدة بدعم وتأييد أمريكي، لكن الانقلاب هذا لم يتح لحزب البعث فرصة الحصول على مقاعد في صنع القرار الكامل، وهو ما أثار مزيد من حنق الحزب ودفعه لمضاعفة الجهد في التخطيط والمكر ليتمكن من الوصول للسلطة.
وفي عام 1962 ميلادي جرى انقلاب آخر جديد لكنه لم يكن مكتمل الأركان، إذ دخلت المدن والمناطق في سورية في فوضى كبيرة وحصل تمرد على الانقلاب ببعض قطعات الجيش والمؤسسات، وخشية تدهور الأمور أكثر بدون تحقق أي فائدة مضمونة لطرفي الانقلاب، جرت نقاشات حثيثة تم التوصل في نهاية المطاف لاتفاق التهدئة قبل أن يقع انقلاب آخر في العام التالي، لكن هذا الانقلاب سيكون مختلف عن كل تلك الانقلابات السابقة، فانقلاب عام 1963 ميلادي تحديًا في اليوم الثامن من الشهر الثالث، سيكون له أثر عميق في التاريخ السوري، إذ يحمل معه -أي الانقلاب- طموحات جامحة لأعتى مجرم ستعرفه الدنيا، فاللجنة الخماسية السابق ذكرها صار لها موطئ قدم في مقاعد السلطة، وما أن وضعت قدمها في بعض مراكز القرار حتى نشطت بشكل غير مسبوق، فاستدعت كل الاحتياط الموالون لها (الغالبية الساحقة نصيرية "حزب بعث") وفتحت باب الانتساب على مصراعيه مع بث دعاية قوية تروج لأفكار الحزب من خلال شعارات براقة طامحة، ولكن تذكر كثير من الوثائق والدراسات أنه برغم كل ذلك النشاط والحماس إلا أن الحزب لم يكن يستطيع حشد الجماهير أو إقناعهم بالحزب ومما يُستدل به هو أنه وحتى عام 1967 ميلادي لم يكن ليتجاوز عدد أعضاء الحزب أكثر من 3000-4000 عضو.
وفي عام 1964 ميلادي كان قد مضى نحو عام على استلام حزب البعث السلطة في سورية إثر انقلابه، وتعبيرًا منه عن الحقد الدفين (حتى اللحظة الحزب غالبية نصيرية)، قام مناصرو وأعضاء من الحزب في هذا العام بالنزول من الجبال والمناطق القريبة من مدن السُنَّة وقراهم (تحديدًا مدينة بانياس "الحدث الأبرز يومها")، ليتجولوا على شكل مجموعات كبيرة يهتفون "البعثية علوية"، بدون مناسبة سوا التعبير عن الحقد وبدافع الاستفزاز كرد جميل لأهل السُنَّة الذين لطالما أتاحوا فرصة عمل لهؤلاء المتسكعين الفقراء بل لطالما قدم أهل السُنَّة المساعدة بما يستطيعون من باب الشفقة.
تلك الهتافات (البعثية علوية وغيرها من الشعارات الطائفية الحاقدة) لم تكن قد استفزت أهل بانياس والمدن المحيطة والقريبة من مناطق النصيرية، بل كانت مستفزة لعموم أهل السُنَّة في سوريا وهم الغالبية الساحقة!، فتصدى أهل السُنَّة لتلك المسيرات النصيرية الحاقدة وجابهوهم بما استطاعوا، ليقع قتلى بين الطرفين قبل أن تُصدر قيادة الجيش (قيادة بعثية) أوامر بنزول قطعات من الجيش للشوارع في المدن والقرى السنية، عملت على حملة اعتقالات مثلت وبشكل واضح انحياز العسكر للعلوية مما دفع عموم مدن سوريا للتعبير عن رفضهم للانحياز من خلال الإعلان عن أضراب عام قام به التجار والصناعيين والحرفيين وغيرهم، ليكون رد قيادة الجيش بإصدار أوامر للعناصر بأن يستبيحوا المدن ويخلعوا أقفال المحال والمعامل وينهبوا ما رغبوا ثم يتركوا ما يتبقى عرضة للنهب دون منع أحد، ترافق ذلك مع تكثيف حملة الاعتقالات التي طالت الآلاف بتهمة "تهديد الأمن ولاستقرار"، كما أن الجيش قصف مدينة حماة في ذلك العام وهي المرة الأولى التي تتعرض المدينة للقصف من الجيش "السوري".
تعليقات