في عام 1969 ميلادي كان الصراع قد احتدم تمامًا بين آخر عضويين في اللجنة الخماسية (تحدثنا عنها سابقًا)، أي بين صلاح جديد والمجرم حافظ ليكون لحافظ الحظ الأوفر بامتلاك أوراق القوة ومن خلفه أخوه المجرم رفعت الذي طالت أذرعه بدعم حافظ، حتى صار حزب البعث أشبه ما يكون مقتصر على حافظ ومن معه من الموالون له، بل صار حافظ يتخذ القرارات بدون العودة للرئيس صلاح جديد (كان صلاح قد صار رئيسًا للبلاد من خلال الانقلاب).
وبخطوات مدروسة وبعد سلسلة طويلة من التآمر وحرب التجاذبات "الداخلية في الحزب" استطاع حافظ أن يسيطر على كامل وسائل الإعلام في البلد، الرسمية والخاصة، المنطوقة والمكتوبة والمشاهدة، كما أنه أغلق كل وسيلة إعلام موالية لصلاح جديد أو تابعة له حتى لم يعد "للرئيس" أي وسيلة إعلامية في بلد من المفترض أنه الحاكم فيها، والغريب أن حافظ لم يقم بالانقلاب على صلاح (فساد) بالرغم من كل تلك الخطوات التي أقدم عليها، فأبقى على صلاح جديد في منصبه الذي بات من الواضح أنه أشبه ما يكون بالرئيس الصوري، وعلى ما يبدو أن حافظ لم يكن يرغب بتكرار نمط الانقلابات الكثيرة التي جرت، فعمد لانقلاب مختلف يحمل ضمانة النجاح ويحقق له سيطرة بعيدة الأجل بل وتوريث السلطة، لذا كان ينتظر الظروف الملائمة (دوليًا ومحليًا) وإلى ذلك الوقت سيكون قد قطع شوطًا جيدًا من خلف الكواليس في تصفية الخصوم والمنافسين المحتملين ويرفع الموالون له لمراكز قيادية بالتدريج.
ومع نهايات عام 1970 ميلادي وجد حافظ المجرم الظروف المواتية لما خطط له على مدار سنوات سابقة، فاعتقل الرئيس صلاح جديد (الشريك الأخير من خلية اللجنة الخماسية) وأودعه السجن هو وكل موالوه تحت شعار أطلقه حافظ باسم "الحركة التصحيحية".، بقي صلاح/فساد في سجن المزة لمدة ثلاثة وعشرين عامًا حتى مات في معتقله.
وفي عام 1973 ميلادي لم يرغب المجرم حافظ أن يكون مجرد حاكم مستبد للسلطة فقط، بل أراد أن يقدم نفسه على أنه القائد المطلق والفذ المحنك والأسطورة المُلهِم المُلهَم، فرفع شعار الحرب على "الكيان الصهيوني" تحت عنوان استعادة الجولان (الذي سقط في حرب 67)، وانطلقت شرارة الحرب بين الكيان الصهيوني من جهة وبين سوريا في الجولان ومصر في سيناء من جهة أخرى، لكن الحرب من حيث النتيجة لم تفضي لشيء إذ تم توقيع اتفاق هدنة برعاية الأمم المتحدة قبل أن تدخل قوات الفصل لتبقى الجولان محتلة، بقيت محتلة واقعًا أما في الإعلام السوري الرسمي فكانت الاحتفالات والحفاوة كبيرة جدًا تُمجد القائد البطل! الذي حاز على لقب جديد ضمن سلسلة الألقاب الأخرى "بطل الجولان".
بائع الجولان بعدما صدق نفسه "بطل" والقائد الأسطورة، رمى بفتات لقياداته من خلال ترقيات وأوسمة تحاكي تلك الأوسمة التي ينالها القادة والجند الذين يحققون الانتصارات الساحقة!، والويل كل الويل لم يعتقد أن "القائد" الكلب هُزم شر هزيمة وأن ما جرى لا يمكن اعتباره نصرًا.
تعليقات